الُمدرّسه

نبيهة عمر
اليومَ .. كغيرِه من الأيام أزَّ الطبشور على اللّوحة الخضراءْ اليوم، يا أبنائي درسُنا عن الوطنْ سمراءُ! اقرئي من الصفحة الأربعين تململتْ سمراءُ خرج الصوتُ كأنّه النّحيبْ لِوهلةٍ ظننتُها لا ترغبُ في المزيدْ قرأتْ: و...و..طني تلعثمت سمراءْ، تسمّرتْ، تبلّدت استفزّني صوتُها المتردّدُ و نبضُها المتحيّر قلتُ لها ملاطفه يا سمرتي حين نقرأ عن الوطن نستجمِع ما فينا من الأنفاسْ نشحَذ بداخلنا الإحساس نملأ الفم بالحرفْ نمدّه.. نحدّه.. نشدّه. لا فيخرج هكذا : وطن!وطن !وطن! أعيدي يا سميّه سكتت سميهْ ما همّها هي الوطن قبلَ أسبوع، ماتت أمُّها متوجّعهْ بمرض عضال لم تجِد من يشتري لها كومةً من الدواء باعت لتشتريه خِرصَها و حليةً تركتها لعرس ابنُها قيل لها، مقطوعْ.. جرّبي الجنيس تبًّا ما الجنيس؟ وبعد السؤال و الإلحاح علمت أنّه دواء للفقراءْ شبيهٌ بالدواء ثمنه بخس زهيد ولكنّه قد يصيب بالسعال و بالنعاسْ توجّست من الجنيسْ امتنعتْ وحالُها تعكّرت.. لم يمض شهرٌ إلّا و امّها تحت التراب فلْيذهبِ الوطنُ إلى... قلتُ: سأقرأ فأنصتوا وبعديَ فكرّروا قرأتُ، خرج الصوتُ مهزومًا كالخيبهْ كمْ من السّنينِ ردّدتُ على أسماع الناشئه قوالبَ جاهزهْ وفي كلّ عام، أزدادُ شكًّا و ارتيابْ وينقُص الإيمانْ الوطنُ رحمٌ رحيمْ، أمّ رؤومْ في قلبها الحنانْ و في ريحها نسائم الجنانْ الوطنُ أغلى من كلّ غالْ نفديه بالرّوح و العيونْ تبًّا لمن سنّ هذا الكلام أ مازال له فعلُ المخدر؟ أ مازال يحرِّك الوجدانْ؟ عُذْرا أميرَ الشّعر والقافيه ولكنّ شِعرك أضحى تراثا في دفاتر النسيانْ كيف لي أن أنطِقَ البهتان أ لم أعلّمْهم أنّ الصدقَ نجاهْ؟ مُنذ متى كان الوطنُ قبرا للأحلام؟ وكأسًا زُعافا ولُجّةً هوجاءَ يغرِق فيها الأملْ مُنذ متى والوطنُ مجرّد اسمٍ بلا بيانْ وعَلمٍ بلا ألوان منذ متى؟ والوطنُ يمتصّ دماءَ أبنائه المخلصين و يبيع أحلامَ اليافعين في أسواق الذُلّ والهوانْ تبّا لكم! وصَمتمونا بالدّجلْ كيف أقنع أبنائيَ الحالمين بالحبّ بالأضواء أنّ الإنسانَ من يصنعُ الأوطان وأنّها أمانة وأمرٌ جللْ كيف لي أن أشهدَ زورًا أنّ الغدَ أفضلُ وأنا التي أردّد كلّ يوم على أسماعِهم الصدقُ فجرٌ مُقمرٌ و الكذبُ من كلِّ كبيرةٍ أكبرُ رأيتُ في عينيْ معاذ أنّي أنا الكاذبةُ الواهمهْ مسكينةٌ هي.. تظنّنا اغرارْ لن نصغيَ لقولها سنجمع أشياءنا و نرحلُ ليس لنا في هذا الوطن ما نأخذُه على ظهر قارب على خشب صاريهْ سنرحلُ سنلقي على وجوه الخفر جوازاتِ السّفرْ وشهائدَ الميلاد سنغيّر أسماءَنا مارك، هيلان و فرنسوا ما لنا وحفنةَ التراب؟ لاوطنَ إلّا ما أشبعك، ما ستركْ لا وطنَ إلاّ حيث نحيا كلَّ صباح كنّا نستفتحُ يومَنا بأهزوجة العدمْ نموت نموت ويحيا الوطنْ نموتُ ليحيا خائنٌ ديوثْ وكلُّ أفّاكٍ غَرور وكلُّ مُرتش بالظلم سبّاق جسورْ سنرحل ولن نعودْ لن نوصيَ الأولاد والأحفاد وصيةَ الجدودْ إنْ مُتنا اتركونا ها هنا واكتبوا على شواهدِ القبور هنا يَرقد ضحايا الوطنْ رنّ الجرسْ جمعتُ كرّاساتي قلت وأنا مغادره في صوتيَ المهدورِ أزّت غصّتي يا أعزّتي! تشبّثوا ! تشبّثوا حتّى و إنْ يكنْ شتاتا وبضعَ بضعٍ من وطنْ خيرٌٌ لكم وأشرفُُ مِن أن يُقال ... جيلٌ باع وطنْ!
تمت القراءة 55 مرة

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!