المعلم

نبيهة عمر
خاطرة
عندما يُهان المُعلّم ...أعلنوا الحداد! هل كان أبوالقاسم يستشرف المستقبل ويتكهّن بمأساة المدرّس حين "أنشد نشيد الجبّار أو هكذا غنى "بروميثيوس"؟ هل كان يرى ببصيرته الفذة كيف يعاقب حامل المعرفة في بلادنا وهو الذي ضحّى بنفسه في سبيل سعادة البشر، لتأكل من كبده الطيورُ الكاسرة جحودا لفضله وإنكارا لمنزلته؟ أقف، وأنا أتمثّل الواقع متخفيّا في ثوب الأسطورة، فأدرك إيمان الشابي العميق بالفرق الجليّ بين من ينشر النور ومن يعشق الظلام . "النور في قلبي وبين جوانحي* فعلام أخشى السّير في الظلماء". أقف عن كثب وفي النفس كثير من الأسى والتشاؤم المقيت بسبب ما يقع في مؤسساتنا التربوية، مدارس ومعاهد وجامعات أمام صمت مريب وفشل ذريع من قبل سلطة الإشراف ولا أقصد هنا وزارة بعينها بل أقصد منظومة بأكملها.  يحيرّني وابل العنف المتصدّر للمشهد التربوي معلنا- ويالخيبة المسعى- إفلاس المنظومة التربوية كلِّها في بلادنا، فلا المتعلّم ظلّ متعلّما طالبا لقبس المعرفة راغبا في النهل من معينها المقدّس ولا المعلّم ظلّ معلّما معتزّا بكونه حفيد بروميثيوس رمز الحكمة وقاهر زويس وآلهة أولمب وحامل الشعلة المقدسة، شعلة المعرفة الخالدة التي توارثها خيرة البشر وساروا بها على درب العمالقة، يحدوهم العزم والإصرار على هزم الظلامية، سلاحهم النور المتوهّج الذي يبدّد ظلمات الجهل والأميّة. ألقى المعلّم عنه رداءً مقدّسا، كارها لا راغبا، بعدما جُرِّد من صلاحياته السّامية ووظيفته الأنبل ألا وهي تربية الأجيال وصقل العقول الناشئة، وحُوِّل -ويا للأسف - إلى أداة للتلقين بائسة، مفلسة، متردّدة، تحت مسمّيات عديدة مثل الإصلاح التربوي و مواكبة النظريات الحديثة في التعليم والتناغم مع مناهج الغرب المتقدّم المستنير ! وهي مناهج ولا ريب أسقطت علينا إسقاطا وصوّرها لنا البعض، جهلاً، بأنها الخيار الأمثل، وذلك في إطار سباقهم المسعور لإرضاء الآخر. وقفوا على أبوابه يمدّون يد الذلّ يستوردون نظرياته التربوية كما تستورد السلع البخسه، منسلخين عن كيانهم كما تنسلخ الأفاعي عن جلدتها، متنكرين لأصولهم وهم من شهد لهم العالم بفضل السبق في حلقة المعرفة الكونية. وما زلنا نتشبث بأذيال الغرب معرضين عن أصالتنا مقبلين على بقاياه رغم أن التجربة أثبتت فشل هذه المناهج الممجوجة، مناهج أعلنت إفلاسها منذ أمد بعيد، والنتيجة: فقدان الحلقة الأسمى في مهنة التعليم ألا وهي تربية الناشئة ونشر القيم الفاضلة وصنع الإنسان قبل المعلومه . أصبحنا اليوم نفيق على أنباء مروّعة و حوادث عنف رهيبة تستهدف حرمة المدرسة وهيبة المعلّم، يمارسها وللأسف من يفترض بهم أن يكونوا المستفيد الأول من بقاء التعليم في بلادنا صرحا و منارة . هنيئا أبا القاسم أنك لم تحي بيننا! ألا إنّ التعليم كان ولا يزال درعا للأمم فإن سقط فأعلنوا الحداد وأقرعوا طبول الحرب، الحرب الأكثر فاشية وقذارة في تاريخ البشرية حرب الهمجية الرعناء التي سارت على مرّ التاريخ في خط مواز ومخيف للعلم والتقدمية والنهج التنويري . هذه الحرب، يا سادة! لها أربابها وسماسرتها في بلادنا. حرب كشفت عن نابها. فهل من آذان صاغية وذمم حرة تهبّ لنجدة المعلّم والمدرسة؟!
تمت القراءة 26 مرة

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!